فصل: السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة السابعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون

الثانية على مصر وهي سنة أربع وسبعمائة‏.‏

فيها توجه الأمير بيبرس الجاشنكير إلى الحجاز مرة ثانية ومعه علاء الدين أيدغدي الشهرزوري رسول ملك الغرب والأمير بيبرس المنصوري الدوادار والأمير بهاء الدين يعقوبًا وجماعة كثيرة من الأمراء وخرج ركب الحاج في عالم كثير من الناس مع الأمير عز الدين أيبك الخازندار زوج بنت الملك الظاهر بيبرس‏.‏

وفيها ظهر في معدن الزمرد قطعة زنتها مائة وخمسة وسبعون مثقالًا فأخفاها الضامن ثم حملها إلى بعض الملوك فدفع فيها مائة ألف وعشرين ألف درهم فأبى أن يبيعها فأخذها الملك منه غصبًا وبعث بها إلى السلطان فمات الضامن غمًا‏.‏

وفيها توفي القاضي فتح الدين أحمد بن محمد بن سلطان القوصي الشافعي وكيل بيت المال بقوص وأحد أعيانها‏.‏

كان من الرؤساء ومات بها في حادي عشر المحرم‏.‏

وفيها توفي القاضي زين الدين أحمد ابن الصاحب فخر الدين محمد ابن الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا في ليلة الخميس ثامن صفر وكان فقيهًا فاضلًا متدينًا وافر الحرمة‏.‏

وفيها توفي شمس الدين أحمد بن علي بن هبة الله بن السديد الإسنائي خطيب إسنا ونائب الحكم بها وبأدفو وقوص في شهر رجب وكانت قد آنتهت إليه رياسة الصعيد وبنى بقوص مدرسة وكان قوي النفس كثير العطاء مهابًا ممدوحًا يبذل في بقاء رياسته الآلاف الكثيرة يقال إنه بذل في نيابة الحكم بالصعيد مائتي ألف وصادره الأمير كراي المنصوري وأخذ منه مائة وستين ألف درهم فقدم القاهرة ومات بها‏.‏

وفيها توفي الأمير بيبرس الموفقي المنصوري أحد الأمراء بدمشق بها في يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الآخرة مخنوقًا وهو سكران‏.‏

نسأل الله حسن الخاتمة بمنه وكرمه‏.‏

وفيها توفي الأمير الشريف عز الدين جماز بن شيحة أمير المدينة وقد تقدم في الماضية‏.‏

والأصح أنه في هذه السنة‏.‏

وفيها توفي الأمير شمس الدين محمد آبن الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أبي سعيد بن التيتي الآمدي أحد الأمراء ونائب دار العدل بقلعة الجبل كان رئيسًا فاضلًا‏.‏

وفيها توفي الأمير مبارز الدين سوار الرومي المنصوري أمير شكار وكان من أعيان الأمراء وفيه شجاعة وحشمة ورياسة وكان معظمًا في الدول‏.‏

وفيها توفي الأمير سيف الدين بهادر بن عبد الله المنصوري المعروف بسمز أعني سمينًا مقتولًا بأيدي عرب الشام بعد أن قتل منهم مقتلة كبيرة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وأصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا واثنتا عشرة إصبعًا وكان الوفاء رابع توت‏.‏

السنة الثامنة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة خمس وسبعمائة‏.‏

فيها قدمت هدية الملك المؤيد هزبر الدين داود صاحب اليمن فوجدت قيمتها أقل من العادة فكتب بالإنكار عليه والتهديد‏.‏

وفيها آستسقى أهل دمشق لقلة الغيث فسقوا بعد ذلك ولله الحمد‏.‏

وفيها توفي خطيب دمشق شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباغ الفزاري الفقيه المقرىء النحوي المحدث الشافعي في شوال عن خمس وسبعين سنة‏.‏

وفيها توفي الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي الشافعي أحد الأئمة الأعلام والحفاظ والثقات‏.‏

مولده في سنة ثلاث عشرة وستمائة بتونة وهي بلدة في بحيرة تنيس من عمل دمياط وقيل في سنة عشر وستمائة وآشتغل بدمياط وحفظ التنبيه في الفقه وسمع بها وبالقاهرة من الحافظ عبد العظيم المنذري وأخذ عنه علم الحديث وقرأ القرآن بالروايات وبرع في عدة فنون وسمع من خلائق آستوعبنا أسماء غالبهم في ترجمته في المنهل الصافي‏.‏

ورحل إلى الحجاز ودمشق وحلب وحماة وبغداد وحدث وسمع منه خلائق مثل اليوبيني والقونوي والمزي وأبي حيان والبرزالي والذهبي وابن سيد الناس وخلق سواهم وصنف مصنفات كثيرة ذكرنا غالبها في المنهل الصافي وله كتاب فضل الخيل وقد سمعت أنا هذا الكتاب بقراءة الحافظ قطب الدين الخيضري في أربعة مجالس آخرها في سلخ شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة بالقاهرة في منزل المسمع بحارة برجوان على الشيخ الإمام العلامة مؤرخ الديار المصرية تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي بسماعه جميعه على الشيخ ناصر الدين محمد بن علي بن الطبردار الحراوي بسماعه جميعه على الشيخ مؤلفه الحافظ شرف الدين الدمياطي صاحب الترجمة - رحمه الله - وكانت وفاته فجأة بالقاهرة‏:‏ بعد أن صلى العصر غشي عليه في موضعه فحمل إلى منزله فمات من ساعته في يوم الأحد خامس عشر ذي القعدة‏.‏

ومن شعره‏:‏ روينا بإسناد عن آبن مغفل حديثًا شهيرًا صح من علة القدح بأن رسول الله حين مسيره لثامنة وافته من ليلة الفتح وفيها توفي الملك الأوحد وقيل الزاهر تقي الدين شادي آبن الملك الزاهر مجير الدين داود آبن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه الصغير ابن الأمير ناصر الدين محمد آبن الملك المنصور أسد الدين شيركوه الكبير آبن شادي بن مروان الأيوبي في ثالث صفر وهو يوم ذاك أحد أمراء دمشق‏.‏

وفيها توفي المسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الحراني الحنبلي‏.‏

مولده بحران سنة ثماني عشرة وستمائة وسمع من آبن روزبة والمؤتمن بن قميرة وسمع بمصر من ابن الجميزي وغيره وتفرد بأشياء وكان فيه دعابة ودين وتلا بمكة ألف ختمة‏.‏

وفيها توفي قاضي قضاة الشافعية بحلب شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام بها في أول جمادى وفيها توفي الشيخ الإمام شرف الدين أبو زكريا يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الجذامي الإسكندراني المالكي شيخ القراءات بها في هذه السنة وكان إمامًا عالمًا بالقراءات وله مشاركة في فنون‏.‏

رحمه الله‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم لم يحرر وزاد البحر حتى بلغ ثماني أذرع ونصفًا ثم توقف إلى ثامن مسري ثم زاد حتى أوفى في رابع توت‏.‏

وبلغ ست عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

السنة التاسعة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة ست وسبعمائة‏.‏

فيها وقع بين الأميرين‏:‏ علم الدين سنجر البرواني وسيف الدين الطشلاقي على باب قلعة الجبل مخاصمة بحضرة الأمراء لأجل آستحقاقهما في الإقطاعات لأن الطشلاقي نزل على إقطاع البرواني وكان كل منهما في ظلم وعسف‏.‏

والبرواني من خواص بيبرس الجاشنكير والطشلاقي من ألزام سلار لأنه خشداشه كلاهما مملوك الملك الصالح علي ابن الملك المنصور قلاوون - ومات في حياة والده قلاوون - فسطا الطشلاقي على البرواني وسفه عليه فقام البرواني إلى بيبرس وآشتكى منه فطلبه بيبرس وعنفه فأساء الطشلاقي في رد الجواب وأفحش في حق البرواني وقال‏:‏ أنت واحد منفي تجعل نفسك مثل مماليك السلطان‏!‏ فاستشاط بيبرس غضبًا وقام ليضربه فجرد الطشلاقي سيفه يريد ضرب بيبرس فقامت قيامة بيبرس وأخذ سيفه ليضربه فترامى عليه من حضر من الأمراء وأمسكوه عنه وأخرجوا الطشلاقي من وجهه بعدما كادت مماليك بيبرس وحواشيه تقتله بالسيوف وفي الوقت طلب بيبرس الأمير سنقر الكمالي الحاجب وأمر بنفي الطشلاقي إلى دمشق فخشي سنقر من النائب سلار ودخل عليه وأخبره فأرسل سلار جماعة من أعيان الأمراء إلى بيبرس وأمرهم بملاطفته حتى يرضى عن الطشلاقي وأن الطشلاقي يلزم داره فلما سمع بيبرس ذلك من الذين حضروا صرخ فيهم وحلف إن بات الطشلاقي الليلة بالقاهرة عملت فتنة كبيرة فعاد الحاجب وبلغ سلار ذلك فلم يسعه إلا السكوت لأنهما أعني بيبرس وسلار كانا غضبا على الملك الناصر محمد وتحقق كل منهما متى وقع بينهما الخلف وجد الملك الناصر طريقًا لأخذهما واحدًا بعد واحد فكان كل من بيبرس وسلار يراعي الآخر وقد اقتسما مملكة مصر وليس للناصر معهما إلا مجرد الاسم في السلطنة فقط‏.‏

انتهى‏.‏

وأخرج الطشلاقي من وقته وأمر سلار الحاجب بتأخيره في بلبيس حتى يراجع بيبرس في أمره فعندما اجتمع سلار مع بيبرس في الخدمة السلطانية من الغد بدأ بيبرس سلار بما كان من الطشلاقي في حقه من الإساءة وسلار يسكنه ولا يسكن بل يشتد فأمسك سلار عن الكلام على حقد في الباطن وصار السلطان يريد إثارة الفتنة بينهما فلم يتم له ذلك‏.‏

وتوجه الطشلاقي إلى الشام منفيًا‏.‏

وفيها قدم البريد على الملك الناصر من حماة بمحضر ثابت على القاضي بأن ضيعة تعرف ببارين بين جبلين فسمع للجبلين في الليل قعقعة عظيمة فتسارع الناس في الصباح إليهما وإذا أحد الجبلين قد قطع الوادي وآنتقل منه قدر نصفه إلى الجبل الأخر والمياه فيما بين الجبلين تجري في الوادي فلم يسقط من الجبل المنتقل شيء من الحجارة ومقدار النصف المنتقل من الجبل مائة ذراع وعشر أذرع ومسافة الوادي الذي قطعه هذا الجبل مائة ذراع وأن قاضي حماة خرج بالشهود حتى عاين ذلك وكتب به محضرًا‏.‏

فكان هذا من الغرائب‏.‏

وفيها وقعت الوحشة بين بيبرس الجاشنكير وسلار بسبب كاتب بيبرس التاج ابن سعيد الدولة فإنه كان أساء السيرة ووقع بين هذا الكاتب المذكور وبين الأمير سنجر الجاولي وكان الجاولي صديقًا لسلار إلى الغايه فقام بيبرس في نصرة كاتبه وقام سلار في نصرة صاحبه الجاولي ووقع بينهما بسبب ذلك أمور وكان بيبرس من عادته أنه يركب لسلار عند ركوبه وينزل عند نزوله فمن يومئذ لم يركب معه وكادت الفتنة أن تقع بينهما ثم استدركا أمرها خوفًا من الملك الناصر وآصطلحا بعد أمور يطول شرحها وتكلما في أمر الوزر ومن يصلح لها فعين سلار كاتب بيبرس التاج ابن سعيد الدولة المقدم ذكره تقربًا لخاطر بيبرس بذلك فقال بيبرس‏:‏ ما يرضى فقال سلار‏:‏ دعني وإياه فقال بيبرس‏:‏ دونك وتفرقا‏.‏

فبعث سلار للتاج المذكور وأحضره فلما دخل عليه عبس وجهه وصاح بإزعاج‏:‏ هاتوا خلعة الوزارة فأحضروها وأشار إلى تاج الدولة المذكور بلبسها فتمنع فصرخ فيه وحلف لئن لم يلبسها ضرب عنقه فخاف الإخراق به لما يعلمه بغض سلار له فلبس التشريف وكان ذلك يوم الخميس خامس عشر المحرم من السنة وقبل يد سلار فبش في وجهه ووصاه وخرج تاج الدولة بخلعة الوزارة من دار النيابة بقلعة الجبل إلى قاعة الصاحب بها وبين يديه النقباء والحجاب وأخرجت له دواة الوزارة والبغلة فعلم على الأوراق وصرف الأمور إلى بعد العصر ثم نزل إلى داره‏.‏

وهذا كله بعد أن أمسك بيبرس سنجر الجاولي وصادره ثم نفاه إلى دمشق على إمرة طبلخاناه وولى مكانه أستادارًا الأمير أيدمر الخطيري صاحب الجامع ببولاق‏.‏

وفيها توفي الصاحب شهاب الدين أحمد بن أحمد بن عطاء الله الأذرعي الدمشقي الحنفي محتسب دمشق ووزيرها وكان رئيسًا فاضلًا حسن السيرة‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك بن عبد الله الطويل الخازندار المنصوري في حادي عشر شهر ربيع الأول بدمشق وكان دينًا كثير البر والصدقات والمعروف‏.‏

وفيها توفي الأمير بدر الدين بكتاش بن عبد الله الفخري الصالحي النجمي أمير سلاح‏.‏

أصله من مماليك الأمير فخر الدين يوسف ابن نجم الدين أيوب فترقى في الخدم حتى صار من أكابر الأمراء وغزا غير مرة وعرف بالخير وعلو الهمة وسداد الرأي وكثرة المعروف‏.‏

ولما قتل الملك المنصور لاجين أجمعوا على سلطنته فامتنع وأشار بعود السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وبعدها ترك الإمرة في حال مرضه الذي مات فيه‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي الأمير سيف الدين كاوركا المنصوري أحد أعيان الأمراء بالديار المصرية‏.‏

وفيها توفي الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصوري وكان ولي نيابة قلعة صفد وشد دواوين دمشق ثم نيابة قلعتها ثم نقل إلى نيابة حمص فمات بها وكان مشكور السيرة‏.‏

وفيها توفي القاضي بدر الدين محمد بن فضل الله بن مجلي العمري الدمشقي أخو كاتب السر القاضي شرف الدين عبد الوهاب ومحيي الدين يحيى وقد جاوز سبعين سنة‏.‏

وهذا أول بدر الدين من بني فضل الله ويأتي ذكر ثان وثالث والثالث هو كاتب السر بمصر‏.‏

وفيها توفي الأمير فارس الدين أصلم الردادي في نصف ذي القعدة وكان رئيسًا حشيمًا من وفيها توفي الأمير بهاء الدين يعقوبا الشهرزوري بالقاهرة في سابع عشر ذي الحجة وكان أميرًا حشيمًا شجاعًا وهو من حواشي بيبرس الجاشنكير‏.‏

وفيها توفي الطواشي عز الدين دينار العزيزي الخازندار الظاهري في يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأول وكان دينًا خيرًا كثير الصدقات والمعروف‏.‏

وفيها توفي ملك الغرب الناصر أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق المريني وثب عليه سعادة الخصي أحد مواليه في بعض حجره وقد خضب رجليه بالحناء وهو مستلق على قفاه فطعنه طعنات قطع بها أمعاءه وخرج فأدرك وقتل ومات السلطان من جراحه في آخر يوم الأربعاء سابع ذي القعدة وأقيم بعده في الملك أبو ثابت عامر ابن الأمير أبي عامر عبد الله ابن السلطان أبي يعقوب - هذا أعني حفيده‏.‏

وكان مدة ملكه إحدى وعشرين سنة‏.‏

وفيها توفي الطواشي شمس الدين صواب السهيلي بالكرك عن مائة سنة وكان مشكور السيرة‏.‏

وفيها توفي الشيخ ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي الفقيه الشافعي بدمشق في تاسع عشرين جمادى الأولى وكان فقيهًا نحويًا مصنفًا‏.‏

شرح ‏"‏ الحاوي ‏"‏ في الفقه و ‏"‏ مختصر ابن الحاجب ‏"‏ وغير ذلك‏.‏

الماء القديم أربع أذرع وعدة أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع أصابع وكان الوفاء في رابع عشر مسري‏.‏

السنة العاشرة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة سبع وسبعمائة‏.‏

فيها ورد الخبر عن ملك اليمن هزبر الدين داود بأمور تدل على عصيانه فكتب السلطان والخليفة بالإنذار ثم رسم السلطان للأمراء أن يعمل كل أمير مركبًا يقال لها‏:‏ جلبة وعمارة قياسة يقال لها‏:‏ فلوة برسم حمل الأزواد وغيرها لغزو بلاد اليمن‏.‏

وفيها عمر الأمير بيبرس الجاشنكير الخانقاه الركنية داخل باب النصر موضع دار الوزارة برحبة باب العيد من القاهرة ووقف عليها أوقافًا جليلة ومات قبل فتحها فأغلقها الملك الناصر في سلطنته الثالثة مدة ثم أمر بفتحها ففتحت‏.‏

وفيها عمر الأمير عز الدين أيبك الأفرم الصغير نائب دمشق جامعًا بالصالحية وبعث يسأل في أرض يوقفها عليه فأجيب إلى ذلك‏.‏

وفيها وقع الاهتمام على سفر اليمن وعول الأمير سلار أن يتوجه إليها بنفسه خشية من السلطان الملك الناصر وذلك بعد أن أراد السلطان القبض عليه وعلى بيبرس الجاشنكير عندما اتفق السلطان مع بكتمر الجوكندار وقد تقدم ذكر ذلك كله في أصل هذه الترجمة وأيضًا أنه شق عليه ما صار إليه بيبرس الجاشنكير من القوة والاستظهار عليه بكثرة خشداشيته البرجية والبرجية كانت يوم ذاك مثل مماليك الأطباق الآن وصار غالب البرجية أمراء فآشتدت شوكة بيبرس بهم بحيث إنه أخرج الأمير سنجر الجاولي وصادره بغير آختيار سلار وعظمت مهابته وآنبسطت يده بالتحكم وانفرد بالركوب في جمع عظيم وقصد البرجية في نوبة بكتمر الجوكندار إخراج الملك الناصر محمد إلى الكرك وسلطنة بيبرس لولا ما كان من منع سلار لسياسة وتدبير كانا فيه‏.‏

فلما وقع ذلك كله خاف سلار عواقب الأمور من السلطان ومن بيبرس وتحيل في الخلاص من ذلك بأنه يحج في جماعته ثم يسير إلى اليمن فيملكها ويمتنع بها ففطن بيبرس لهذا فدس عليه جماعة من الأمراء من أثنى عزمه عن ذلك ثم آقتضى الرأي تأخير السفر حتى يعود جواب صاحب اليمن‏.‏

وفيها حبس تقي الدين بن تيمية بعد أمور وقعت له‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيدمر السناني بدمشق وكان فاضلًا وله شعر وخبرة بتفسير المنامات‏.‏

ومن شعره‏:‏ تجد النسيم إلى الحبيب رسولا دنف حكاه رقة ونحولا تجري العيون من العيون صبابة فتسيل في إثر الغريق سيولا وتقول من حسد له‏:‏ يا ليتني كنت آتخذت مع الرسول سبيلا وفيها توفي الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الصالحي المعروف بالجالق والجالق باللغة التركية‏:‏ آسم للفرس الحاد المزاج الكثير اللعب وكان أحد البحرية وكبير الأمراء بدمشق ومات في نصف جمادى الأولى بمدينة الرملة عن نحو الثمانين سنة وكان دينًا فيه مروءة وخير‏.‏

وجالق بفتح الجيم وبعد الألف لام مكسورة وقاف ساكنة‏.‏

وفيها توفي الأمير الطواشي شهاب الدين فاخر المنصوري مقدم المماليك السلطانية وكانت له سطوة ومهابة على المماليك السلطانية بحيث إنه كان لا يستجرىء أحد منهم أن يمر من بين يديه كائنًا من كان بحاجة أو بغير حاجة وحيثما وقع بصره عليه أمر بضربه‏.‏

قلت‏:‏ لله در ذلك الزمان وأهله‏!‏ ما كان أحسن تدبيرهم وأصوب حدسهم من جودة تربية صغيرهم وتعظيم كبيرهم‏!‏ حتى ملكوا البلاد ودانت لهم العباد وآستجلبوا خواطر الرعية فنالوا الرتب السنية‏.‏

وأما زماننا هذا فهو بخلاف ذلك كله فالمقدم مؤخر والصغير متنمر والقلوب متنافرة والشرور متظاهرة وإن شئت تعلم صدق مقالتي حرك تر‏.‏

انتهى‏.‏

وفيها توفي المعتقد عمر بن يعقوب بن أحمد السعودي في جمادى الآخرة‏.‏

وفيها توفي الشيخ فخر الدين عثمان بن جوشن السعودي في يوم الأربعاء من شهر رجب وكان رجلًا صالحًا معتقدًا‏.‏

وفيها توفي الصاحب تاج الدين محمد آبن الصاحب فخر الدين محمد آبن الصاحب بهاء الدين علي بن محمد بن سليم بن حنا ومولده في تاسع شعبان سنة أربعين وستمائة وجده لأمه الوزير شرف الدين صاعد الفائزي‏.‏

وكانت له رياسة ضخمة وفضيلة ومات بالقاهرة في يوم السبت خامس جمادى الآخرة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وست أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبع واحدة‏.‏

السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر وهي سنة ثمان وسبعمائة وهي التي خلع فيها الملك الناصر المذكور من ملك مصر وأقام فيها أفرج عن الملك المسعود خضر ابن الملك الظاهر بيبرس البندقداري من البرج بقلعة الجبل وأسكن بدار الأمير عز الدين الأفرم الكبير بمصر وذلك في شهر ربيع الأول‏.‏

وفيها كان خروج الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب الترجمة من القاهرة قاصدًا الحج وسار إلى الكرك وخلع نفسه‏.‏

وفيها توفي الشيخ علم الدين إبراهيم بن الرشيد بن أبي الوحش رئيس الأطباء بالديار المصرية والبلاد الشامية وكان بارعًا في الطب محظوظًا عند الملوك ونالته السعادة من ذلك حتى إنه لما مات خلف ثلاثمائة ألف دينار غير القماش والأثاث‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيبك الشجاعي الأشقر شاد الدواوين بالقاهرة في المحرم‏.‏

وفيها توفي الأمير علاء الدين ألطبرس المنصوري والي باب القلعة والملقب بالمجنون المنسوب إليه العمارة فوق قنطرة المجنونة على الخليج الكبير خارج القاهرة عمرها للشيخ شهاب الدين العابر ولفقرائه وعقدها قبوًا‏.‏

وفي ذلك يقول علم الدين ابن الصاحب‏:‏ ولقد عجبت من الطبرس وصحبه وعقولهم بعقوده مفتونه عقدوه عقدًا لا يصح لأنهم عقدوا لمجنون على مجنونه وكان ألطبرس المذكور عفيفًا دينًا غير أنه كان له أحكام قراقوشية من تسلطه على النساء ومنعهن من الخروج إلى الأسواق وغيرها وكان يخرج أيام الموسم إلى القرافة وينكل بهن فامتنعن من الخروج في زمانه إلا لأمر مهم مثل الحمام وغيره‏.‏

وفيها توفي الأمير عز الدين أيدمر الرشيدي أستادار الأمير سلار نائب السلطنة بالديار المصرية في تاسع عشر شوال وكان عاقلًا رئيسًا وله ثروة واسعة وجاه عريض‏.‏

وفيها توفي الشيخ المعتقد عبد الغفار بن أحمد بن عبد المجيد بن نوح القوصي القائم بخراب الكنائس بقوص وغيرها في ليلة الجمعة سابع ذي القعدة وكان له أتباع ومريدون وللناس فيه آعتقاد‏.‏

وفيها توفي ظهير الدين أبو نصر بن الرشيد بن أبي السرور بن أبي النصر السامري الدمشقي الكاتب في حادي عشرين شهر رمضان بدمشق ومولده سنة آثنتين وعشرين وستمائة كان أولًا سامريًا ثم أسلم في أيام الملك المنصور قلاوون وتنقل في الخدم حتى ولي نظر جيش دمشق إلى أن مات‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع‏.‏

مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإصبع واحدة مثل السنة الماضية‏.‏

السلطان الملك المظفر ركن الدين بيبرس بن عبد الله المنصوري الجاشنكير أصله من مماليك الملك المنصور قلاوون البرجية وكان جركسي الجنس ولم نعلم أحدًا ملك مصر من الجراكسة قبله إن صح أنه كان جركسيًا‏.‏

وتأمر في أيام أستاذه المنصور قلاوون وبقي على ذلك إلى أن صار من أكابر الأمراء في دولة الملك الأشرف خليل بن قلاوون‏.‏

ولما تسلطن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد قتل أخيه الأشرف خليل صار بيبرس هذا أستادارًا إلى أن تسلطن الملك العادل زين الدين كتبغا عزله عن الأستادارية بالأمير بتخاص وقيل‏:‏ إنه قبض على بيبرس هذا وحبسه مدة ثم أفرج عنه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية‏.‏

واستمر على ذلك حتى قتل الملك المنصور حسام الدين لاجين فكان بيبرس هذا أحد من أشار بعود الملك الناصر محمد بن قلاوون إلى الملك‏.‏

فلما عاد الناصر إلى ملكه تقرر بيبرس هذا أستادارًا على عادته وسلار نائبًا فأقاما على ذلك سنين إلى أن صار هو وسلار كفيلي الممالك الشريفة الناصرية والملك الناصر محمد معهما آلة في السلطنة إلى أن ضجر الملك الناصر منهما وخرج إلى الحج فسار إلى الكرك وخلع نفسه من الملك‏.‏

وقد ذكرنا ذلك كله في ترجمة الملك الناصر محمد‏.‏

فعند ذلك وقع الاتفاق على سلطنة بيبرس هذا بعد أمور نذكرها فتسلطن وجلس على تخت الملك في يوم السبت الثالث والعشرين من شوال من سنة ثمان وسبعمائة‏.‏

وهو السلطان الحادي عشر من ملوك الترك والسابع ممن مسهم الرق والأول من الجراكسة إن صح أنه جركسي الجنس ودقت البشائر وحضر الخليفة أبو الربيع سليمان وفوض إليه تقليد السلطنة وكتب له عهدًا وشمله بخطه وكان من جملة عنوان التقليد‏:‏ ‏"‏ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ‏"‏‏.‏

ثم جلس الأمير بتخاص والأمير قلي والأمير لاجين الجاشنكير لاستحلاف الأمراء والعساكر فحلفوا الجميع وكتب بذلك إلى الأقطار‏.‏

والآن نذكر ما وعدنا بذكره من سبب سلطنة بيبرس هذا مع وجود سلار وآقوش قتال السبع وهما أكبر منه وأقدم وأرفع منزلة فنقول‏:‏ لما خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية إلى الحج ثم ثنى عزمه عن الحج وتوجه إلى الكرك خلع نفسه فلما حضر كتابه الثاني بتركه السلطنة - وقد تقدم ذكر ذلك في أواخر ترجمة الناصر بأوسع من هذا - أثبت الكتاب على القضاة‏.‏

فلما أصبح نهار السبت الثالث والعشرين من شوال جلس الأمير سلار النائب بشباك دار النيابة بالقلعة وحضر إلى عنده الأمير بيبرس الجاشنكير هذا وسائر الأمراء وآشتوروا فيمن يلي السلطنة فقال الأمير آقوش قتال السبع والأمير بيبرس الدوادار والأمير أيبك الخازندار وهم أكابر الأمراء المنصورية‏:‏ ينبغي آستدعاء الخليفة والقضاة وإعلامهم بما وقع فخرج الطلب لهم وحضروا وقرىء عليهم كتاب السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وشهد عند قاضي القضاة زين الدين بن مخلوف الأميران‏:‏ عز الدين أيدمر الخطيري والأمير الحاج آل ملك ومن كان توجه معهم إلى الكرك في الرسلية بنزول الملك الناصر عن الملك وتركه ‏"‏ مملكة مصر والشام فأثبت ذلك‏.‏

وأعيد الكلام فيمن يصلح للسلطنة من الأمراء فأشار الأمراء الأكابر بالأمير سلار فقال سلار‏:‏ نعم على شرط‏:‏ كل ما أشير به لا تخالفوه‏.‏

وأحضر المصحف وحلفهم على موافقته وألا يخالفوه في شيء فقلق البرجية من ذلك ولم يبق إلا إقامتهم الفتنة فكفهم الله عن ذلك وآنقضى الحلف فعند ذلك قال الأمير سلار‏:‏ والله يا أمراء أنا ما أصلح للملك ولا يصلح له إلا أخي هذا وأشار إلى بيبرس الجاشنكير ونهض قائمًا إليه فتسارع البرجية بأجمعهم‏:‏ صدق الأمير سلار وأخذوا بيد الأمير بيبرس وأقاموه كرهًا وصاحوا بالجاويشية فصرخوا بآسمه وكان فرس النوبة عند الشباك فألبسوه تشريف السلطنة الخليفتي وهي فرجية أطلس سوداء وطرحة سوداء وتقلد بسيفين ومشى سلار والأمراء بين يديه من عند سلار من دار النيابة بالقلعة وهو راكب وعبر من باب القلعة إلى الإيوان بالقلعة وجلس على تخت الملك وهو يبكي بحيث يراه الناس وذلك في يوم السبت المذكور ولقب بالملك المظفر وقبل الأمراء الأرض بين يديه طوعًا وكرهًا ثم قام إلى القصر وتفرق الناس بعد ما ظنوا كل الظن من وقوع الفتنة بين وقيل في سلطنته وجه آخر وهو أنه لما آشتوروا الأمراء فيمن يقوم بالملك فاختار الأمراء سلار لعقله وآختار البرجية بيبرس فلم يجب سلار إلى ذلك وآنفض المجلس وخلا كل من أصحاب بيبرس وسلار بصاحبه وحسن له القيام بالسلطنة وخوفه عاقبة تركها وأنه متى ولي غيره لا يوافقونه بل يقاتلونه‏.‏

وبات البرجية في قلق خوفًا من ولاية سلار وسعى بعضهم إلى بعض وكانوا أكثر جمعًا من أصحاب سلار وأعدوا السلاح وتأهبوا للحرب‏.‏

فبلغ ذلك سلار فخشي سوء العاقبة واستدعى الأمراء إخوته وحفدته ومن ينتمي إليه وقرر معهم سرًا موافقته على ما يشير به وكان مطاعًا فيهم فأجابوه ثم خرج في شباك النيابة ووقع نحو مما حكيناه من عدم قبوله السلطنة وقبول بيبرس الجاشنكير هذا وتسلطن حسب ما ذكرناه وتم أمره وآجتمع الأمراء على طاعته ودخلوا إلى الخدمة على العادة في الاثنين خامس عشرين شوال فأظهر بيبرس التغمم بما صار إليه‏.‏

وخلع على الأمير سلار خلعة النيابة على عادته بعد ما استعفى وطلب أن دون من جملة الأمراء وألح في ذلك حتى قال له الملك المظفر بيبرس‏:‏ إن تكن أنت نائبًا فلا أعمل أنا السلطنة أبدًا فقامت الأمراء على سلار إلى أن قبل ولبس خلعة النيابة‏.‏

ثم عينت الأمراء للتوجه إلى النواب بالبلاد الشامية وغيرها فتوجه إلى نائب دمشق - وهو الأمير جمال الدين آقوش الأفرم الصغير المنصوري - الأمير أيبك البغدادي ومعه آخر يسمى شادي ومعهما كتاب وأمرهما أن يذهبا إلى دمشق ويحلفا نائبه المذكور وسائر الأمراء بدمشق وتوجه إلى حلب الأمير ركن الدين بيبرس الأحمدي وطيبرس الجمدار وعلى يديهما كتاب مثل ذلك وتوجه إلى حماة الأمير سيف الدين بلاط الخوكندار وطيدمر الجمدار وتوجه إلى صفد عز الدين أزدمر الإسماعيلي وبيبرس بن عبد الله وتوجه إلى طرابلس عز الدين أيدمر اليونسي وأقطاي الجمدار‏.‏

وخطب له بالقاهرة ومصر في يوم الجمعة التاسع والعشرين من شوال المذكور وتوجه الأمراء المذكورون إلى البلاد الشامية‏.‏

فلما قرب من سار إلى دمشق خرج النائب آقوش الأفرم ولاقاهما خارج دمشق وعاد بهما فلما قرأ الكتاب بسلطنة بيبرس كاد أن يطير فرحًا لأنه كان خشداش بيبرس وكان أيضًا جاركسي الجنس وكانا يوم ذاك بين الأقراك كالغرباء‏.‏

بنت دمشق زينة هائلة كما زينت القاهرة لسلطنته‏.‏

ثم أخرج كتاب السلطان بالحلف وفيه أن يحلفوا ويبعثوا لنا نسخة الأيمان فأجاب جميع الأمراء بالسمع والطاعة وسكت منهم أربعة أنفس ولم يتحدثوا بشيء وهم‏:‏ بيبرس العلائي وبهادر آص وآقجبا الظاهري وبكتمر الحاجب بدمشق فقال لهم الأفرم‏:‏ يا أمراء كل الناس ينتظرون كلامكم فتكلموا فقال بهادر آص‏:‏ نريد الخط الذي كتبه الملك الناصر بيده وفيه عزل نفسه فأخرج النائب خط الملك الناصر فرآه بهادر ثم قال‏:‏ يا مولانا ملك الأمراء لا تستعجل فممالك الشام فيها أمراء غيرنا مثل الأمير قرا سنقر نائب حلب وقبجق نائب حماة وأسندمر نائب طرابلس وغيرهم فنرسل إليهم ونتفق معهم على المصلحة فإذا شاورناهم تطيب خواطرهم وربما يرون من المصلحة ما لا نرى نحن ثم قام بهادر المذكور وخرج فخرجت الأمراء كلهم في أثره فقال الأمير أيبك البغدادي القادم من مصر للأفرم‏:‏ لو مسكت بهادر آص لا نصلح الأمر على ما نريد‏!‏ فقال له الأفرم‏:‏ والله العظيم لو قبضت عليه لقامت فتنة عظيمة تروح فيها روحك وتغيير الدول يا أيبك ما هو هين‏!‏ وأنا ما أخاف من أمراء الشام من أحد إلا من قبجق المنصوري فإنه ربما يقيم فتنة من خوفه على روحه‏.‏

قلت‏:‏ وقبجق هذا هو الذي كان نائب دمشق في أيام المنصور لاجين وتوجه إلى غازان وأقدمه إلى الشام‏.‏

وقد تقدم ذكر ذلك كله‏.‏

ولما كان اليوم الثاني طلب الأفرم هؤلاء الأمراء الأربعة وآختلى بهم وقال لهم‏:‏ اعلموا أن هذا أمر انقضى ولم يبق لنا ولا لغيرنا فيه مجال وأنتم تعلمون أن كل من يجلس على كرسي مصر كان هو السلطان ولو كان عبدًا حبشيًا فما أنتم بأعظم من أمراء مصر وربما يبلغ هذا إليه فيتغير قلبه عليكم ولم يزل يتلاطف بهم حتى حلفوا له فلما حلفوا حلف باقي الأمراء وخلع الأفرم على جميع الأمراء والقضاة خلعًا سنية وكذلك خلع على الأمير أيبك البغدادي وعلى رفيقه شادي وأعطاهما ألفي دينار وزودهما وردهما في أسرع وقت‏.‏

وكتب معهما كتابًا يهنىء بيبرس بالملك ويقول‏:‏ عن قريب تأتيك نسخة الأيمان‏.‏

وقدما القاهرة وأخبرا الملك المظفر بيبرس بذلك فسر وآنشرح صدره بذلك‏.‏